فصل: ثم دخلت سنة ست وثلاثين ومائتين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة أربع وثلاثين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن المتوكل مرض في هذه السنة فأرجف عليه فقيل لابن البعيث‏:‏ إنه قد توفي فهرب إلى قلعة له حصينة ‏.‏

وقيل‏:‏ بل كان في الحبس فأفلت إلى تلك القلعة وأتاه من يريد الفتنة فاجتمع إليه جماعات كثيرة وبعث إليه المتوكل جيشًا بعد جيش فلم يقدروا عليه حتى كتب بالأمان لأصحابه فنزل كثير منهم وخرج هو مستخفيًا فأسر وجيء به فحبس ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ أظهر المتوكل السنة ونشر الحديث ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبوبكر بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرني الأزهري أخبرنا أحمد بن إبراهيم أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال‏:‏ سنة أربع وثلاثين ومائتين فيها‏:‏ أشخص المتوكل الفقهاء والمحدثين وكان فيهم مصعب الزبيري وإسحاق بن أبي إسرائيل وإبراهيم بن عبد الله الهروي وعبد الله وعثمان ابنا محمد بن أبي شيبة وكانا من حفاظ الناس فقسمت بينهم الجوائز وأجريت عليهم الأرزاق وأمرهم المتوكل أن يجلسوا للناس وأن يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية وأن يحدثوا بالأحاديث في الرؤية فجلس عثمان بن أبي شيبة في مدينة المنصور ووضع له منبر فاجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفًا ‏.‏

وجلس أبو بكر بن أبي أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ قرأت في كتاب عمر بن محمد بن الحسن البصري عن محمد بن يحيى الصولي قال‏:‏ في سنة أربع وثلاثين ومائتين نهى المتوكل عن الكلام في القرآن وأشخص الفقهاء والمحدثين إلى سامراء منهم‏:‏ محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب وابنا أبي شيبة ومصعب الزبيري وأمرهم أن يحدثوا ووصلهم ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ حدثني الحسن بن محمد الخلال حدثنا عبد الواحد بن علي قال‏:‏ قال أبو صالح عبد الرحمن بن سعيد الأصبهاني‏:‏ قال أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل‏:‏ سمعت محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب يقول‏:‏ استأذنت المتوكل أن أرجع إلى البصرة ولوددت أني لم أكن أستأذنه كنت أكون في جواره ‏.‏

قلت‏:‏ وكيف قال‏:‏ اشهد على أني جعلت دعائي في المشاهد كلها للمتوكل وذلك أن صاحبنا عمر بن عبد العزيز جاء الله به فرد المظالم وجاء الله بالمتوكل فرد الدين ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ عزل عبيد الله بن أحمد عن القضاء وولي الوابصي ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا علي بن المحسن أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر قال‏:‏ عزل المتوكل عبيد الله بن أحمد بن غالب في سنة أربع وثلاثين واستقضى عبد السلام بن عبد الرحمن بن صخر ويعرف بالوابصي وذلك أنه من ولد وابصة بن معبد وكان قبل ذلك على قضاء الرقة وكان هل بغداد قد ضجوا من أصحاب ابن أبي دؤاد وقالوا‏:‏ لا يلي علينا إلا من نرضى به فكتب المتوكل العهد مطلقًا ليس عليه اسم أحد وأنفذه من سامراء مع يعقوب قوصرة أحد الحجاب الكبار وقال‏:‏ أحضر عبد السلام والشيوخ واقرأ العهد فإذا رضوا به قاضيًا وقع على العهد اسمه فقدم ففعل ذلك فقال الناس‏:‏ ما نريد إلا الوابصي فوقع على الكتاب اسمه وحكم في وقته بالرصافة ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ حج إيتاخ وكان هو والي مكة والمدينة والموسم فرفعه ومن بعده الواثق حتى ضم إليه أعمالًا من أعمال السلطان ‏.‏

وكان من أراد المعتصم أو الواثق قتله سلمه إلى إيتاخ فلما ولي المتوكل كان في تلك الرتبة وإليه الجيش والأتراك والموالي والحجابة ودار الخلافة ‏.‏

ثم دس إليه المتوكل من يشير عليه بالاستئذان في الحج ففعل فأذن له وصيره أمير كل بلد يدخلها فحين خرج صيرت الحجابة إلى وصيف وذلك يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة فلما رجع من الحج استصفى ماله وحبس وضرب ومات في الحبس ‏.‏

وقيل‏:‏ هذه القصة كانت في سنة ثلاث وثلاثين ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ ابتدئ ببناء الجامع بسامراء ‏.‏

وفيها‏:‏ هبت ريح شديدة وسموم لم يعهد بمثلها فاتصل ذلك نيفًا وخمسين يومًا وشمل ذلك البصرة والكوفة وبغداد وواسط وعبادان والأهواز وقتلت المارة والقوافل ثم مضت إلى همذان وركدت عليها عشرين يومًا فأحرقت الزرع ثم مضت إلى الموصل فخرجت عليهم من قرية سنجار فأهلكت ما مرت به ثم ركدت بالموصل فمنعت الناس من الانتشار وعطلت الأسواق وزلزلت هراة ومطرت مطرًا شديدًا حتى سقطت الدور وكان ذلك من أول الليل إلى الصباح

وفيها‏:‏ خلع المتوكل على إسحاق بن إبراهيم وعقد له اللواء فسار في موكب عظيم ‏.‏

قال إبراهيم بن عرفة‏:‏ فزعموا أنه مر في موكبه فقال قائل‏:‏ من هذا فقالت امرأة هناك‏:‏ هذا رجل سقط من عين الله فبلغ به ما ترون‏!‏ فسئل عنها فقالوا‏:‏ هي أخت بشر بن الحارث أو امرأة من أهله وحج بالناس في هذه السنة محمد بن داود بن عيسى بن موسى ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن حرب بن عبد الله بن سهل بن فيروز وقيل‏:‏ المروزي

سمع سفيان بن عيينة وأبا عامر العقدي وأبا داود الطيالسي في خلق كثير وكان عالمًا ورعًا متعبدًا والكرامية تنتحله وورد بغداد أيام أحمد بن حنبل وحدث بها قال يحيى بن معين‏:‏ إن لم يكن أحمد بن حرب من الأبدال فلا أدري من هم ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب أخبرنا محمد بن نعيم الضبي أخبرنا عبد الله بن محمد الكعبي قال‏:‏ أخبرنا إسماعيل بن قتيبة قال‏:‏ دخلت على أحمد بن حنبل وقد قدم أحمد بن حرب من مكة فقال لي أحمد‏:‏ من هذا الخراساني الذي قدم قلت‏:‏ من زهده كذا وكذا ومن ورعه كذا وكذا فقال‏:‏ لا ينبغي لمن يدعي ما يدعيه أن يدخل نفسه في الفتيا ‏.‏

أخبرنا زاهر بن طاهر أخبرنا أحمد بن الحسين البيهقي أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم قال‏:‏ حدثني أبو العباس عبيد الله بن أحمد الصوفي قال‏:‏ حدثني أبو عمرو محمد بن يحيى قال‏:‏ مر أحمد بن حرب بصبيان يلعبون فقال أحدهم‏:‏ أمسكوا فإن هذا أحمد بن حرب الذي لا ينام الليل قال‏:‏ فقبض أحمد على لحيته وقال‏:‏ الصبيان يهابونك بأنك لا تنام وأنت تنام ‏.‏

قال‏:‏ فأحيا الليل بعد ذلك إلى أن توفي لم ينم الليل ‏.‏

وبلغنا عن أحمد بن حرب أنه قال‏:‏ المنازل أربعة فثلاثة منها مجاز والرابع الحقيقة‏:‏ عمرنا في الدنيا ومكثنا في القبور ومقامنا في الحشر ومنصرفنا إلى الأبد الذي خلقنا له فمثل عمرنا في الدنيا كالمتعشى للحاج لا يطمئنون ولا يحلون الأثقال عن الدواب لسرعة الارتحال ومكثنا في القبور مثل أحد المنازل للحاج يضعون الأثقال ويستريحون يومًا وليلة ثم يرتحلون ومثل مقامنا في الحشر كمقدمهم مكة يوفون النذور ويقضون النسك ثم يتفرقون وكذلك القيامة يفترق فيها الناس إلى الجنة أو السعير ‏.‏

أخبرنا زاهر بن طاهر قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن الحسين البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحاكم قال‏:‏ سمعت أبا العباس محمد بن أحمد القاضي يقول‏:‏ سمعت أبا عبد الله محمد بن جعفر الزاهد يقول‏:‏ سمعت زكريا بن أبي دلويه يقول‏:‏ رأيت أحمد بن حرب بعد وفاته بشهر في المنام فقلت‏:‏ ما فعل بك ربك قال‏:‏ غفر لي وفرق المغفرة ‏.‏

قلت‏:‏ وما فوق المغفرة قال‏:‏ أكرمني بأن يستجيب دعوات المسلمين إذا توسلوا بقبري توفي أحمد بن حرب في رجب هذه السنة وهو ابن ثمان وخمسين سنة وأشهر جعفر بن مبشر بن أحمد بن محمد أبو محمد الثقفي المتكلم ‏.‏

أحد المعتزلة البغداديين له كتب مصنفة في الكلام توفي في هذه السنة ‏.‏

زهير بن حرب بن شداد أبو خيثمة النسائي وحدث عن سفيان بن عيينة وهشيم وابن علية وجرير بن عبد الحميد ويحيى بن سعيد وخلق كثير روى عنه‏:‏ البخاري ومسلم وابن أبي الدنيا وغيرهم وكان ثقة ثبتًا حافظًا متقنًا ‏.‏

توفي في شعبان هذه السنة وهو ابن أربع وسبعين سنة وقد قيل‏:‏ إنه توفي سنة اثنتين وثلاثين وهو غلط سليمان بن داود أبو الربيع الزهراني العتكي سمع مالك بن أنس وحماد بن زيد‏.‏

روى عنه أحمد بن حنبل وابن المديني والبغوي وكان ثقة ‏.‏

توفي في رمضان هذه السنة بالبصرة ‏.‏

سليمان بن داود بن بشر بن زياد أبو أيوب المنقري البصري المعروف بالشاذكوني حدث عن حماد بن زيد وغيره ‏.‏

وكان حافظًا مكثرًا قدم بغداد فجالس الحفاظ وذاكرهم ثم خرج إلى أصبهان فسكنها ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عمرو بن روح أخبرنا طلحة بن أحمد بن الحسن الصوفي أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن أبي مهزول قال‏:‏ سمعت محمد بن حفص يقول‏:‏ سمعت عمرو الناقد يقول‏:‏ ما كان في أصحابنا أحفظ للأبواب من أحمد بن حنبل ولا أسرد للحديث من ابن الشاذكوني ولا أعلم بالإسناد من يحيى ما قدر أحد أن يقلب عليه إسنادًا قط ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي أخبرنا ابن رزق أخبرنا عثمان بن أحمد حدثنا حنبل بن إسحاق قال‏:‏ سمعت أبا عبد الله يقول‏:‏ كان أعلمنا بالرجال يحيى بن معين وأحفظنا للأبواب سليمان الشاذكوني وكان أحفظنا للطوال علي ‏.‏

قال المصنف‏:‏ قد طعن في الشاذكوني رحمه الله جماعة من العلماء ونسبوه إلى الكذب وقلة الدين فذهبت بتخليطه بركات علمه ‏.‏

فقال أحمد بن حنبل‏:‏ قد جالس الشاذكوني حماد بن زيد وبشر بن المفضل ويزيد بن زريع فما نفعه الله بواحد منهم ‏.‏

وقال يحيى‏:‏ كان الشاذكوني يكذب ويضع الحديث وقد جربت عليه الكذب ‏.‏

وقال البخاري‏:‏ هو عندي أضعف من كل ضعيف وقال النسائي‏:‏ ليس بثقة ‏.‏

وكان عبدان الأهوازي يقول‏:‏ لا يتهم الشاذكوني بالكذب وإنما كتبه كانت قد ذهبت فكان يحدث فيغلط ‏.‏

توفي الشاذكوني في جمادى الآخرة من هذه السنة بأصبهان ‏.‏

أنبأنا إسماعيل بن أحمد قال‏:‏ سمعت أبا القاسم يوسف بن الحسن الزنجاني يقول‏:‏ سمعت أبا نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ يقول‏:‏ سمعت أبا الحسين بن قانع يقول‏:‏ سمعت إسماعيل بن طاهر البلخي يقول‏:‏ رأيت سليمان الشاذكوني في النوم فقلت‏:‏ ما فعل الله بك يا أبا أيوب فقال‏:‏ غفر الله لي ‏.‏

قلت‏:‏ بماذا قال‏:‏ كنت في طريق أصبهان أمر إليها فأخذتني مطرة وكانت معي كتب ولم أكن تحت سقف ولا شيء فانكببت على كتبي حتى أصبحت وهدأ المطر فغفر لي الله بذلك ‏.‏

علي بن بحر بن بري أبو الحسن القطان فارسي الأصل سمع هشام بن يوسف وجرير بن عبد الحميد روى عنه أحمد بن حنبل وقال‏:‏ هو ثقة توفي بالبصرة في هذه السنة حدث ببغداد أيضًا عن سلمة بن شبيب وروى عنه‏:‏ أبو بكر الشافعي ‏.‏

علي بن عبد الله بن جعفر بن يحيى بن بكر بن سعد ابن المديني أبو الحسن السعدي مولاهم ‏.‏

بصري المولد كوفي المنشأ ولد سنة إحدى وستين ومائة ‏.‏

وسمع حماد بن زيد وهشام بن بشير وسفيان بن عيينة وخلقًا كثيرًا ‏.‏

وكان المقدم على حفاظ وقته وكان سفيان بن عيينة يقول‏:‏ والله إني أتعلم من ابن المديني أكثر مما يتعلم مني ولولاه ما جلست وكذلك كان يحيى بن سعيد يقول‏:‏ الناس يلوموني في قعودي مع علي وأنا أتعلم من علي أكثر مما يتعلم مني ‏.‏

وكان أحمد بن حنبل لا يسميه وإنما يكنيه تبجيلًا له وقال البخاري‏:‏ استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو سعيد الماليني قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن عدي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد القرميسيني قال‏:‏ سمعت محمد بن يزداد يقول‏:‏ سمعت أحمد بن يوسف البحيري يقول‏:‏ سمعت الأعين يقول‏:‏ رأيت علي بن المديني مستلقيًا وأحمد بن حنبل عن يمينه ويحيى بن معين عن يساره وهو يملي عليهما ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا البرقاني قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن محمد بن سيار قال‏:‏ سمعت عباسًا العنبري يقول‏:‏ كان علي بن المديني بلغ ما لو قضي له أن يتم على ذلك لعله كان يقدم على الحسن البصري كان الناس يكتبون قيامه وقعوده ولباسه وكل شيء يقول ويفعل أو نحو هذا ‏.‏

قال المصنف‏:‏ والذي منع ابن المديني من التمام إجابته في خلق القرآن وميله إلى ابن أبي دؤاد لأجل حطام الدنيا فلم يكفه أن أجاب فكان يعتذر للتقية وصار يتردد إلى ابن أبي دؤاد ويظهر له الموافقة ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن علي الصيمري قال‏:‏ حدثنا محمد بن عمران المرزباني قال‏:‏ أخبرنا محمد بن يحيى قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدثنا أبي قال‏:‏ قال ابن أبي دؤاد للمعتصم‏:‏ يا أمير المؤمنين هذا يزعم - يعني أحمد بن حنبل - أن الله تعالى يرى في الآخرة والعين لا تقع إلا على محدود والله لا يحد ‏.‏

فقال المعتصم‏:‏ ما عندك في هذا فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين عندي ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

قال‏:‏ وما قال عليه السلام قال‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر غندر حدثنا شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي قال‏:‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة أربع عشرة من الشهر فنظر إلى البدر فقال‏:‏ ‏"‏ أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا البدر لا تضامون في رؤيته ‏"‏ ‏.‏

فقال لأحمد بن أبي دؤاد‏:‏ ما عندك في هذا قال‏:‏ أنظر في إسناد هذا الحديث ‏.‏

وكان هذا في أول يوم ثم انصرف فوجه ابن أبي دؤاد إلى علي بن المديني وهو مملق لا يقدر على درهم فأحضره فما كلمه بشيء حتى وصله بعشرة آلاف درهم وقال له‏:‏ هذه وصلك بها أمير المؤمنين وأمر أن يدفع إليه جميع ما استحق من أرزاقه وكان له رزق سنتين ثم قال‏:‏ يا أبا الحسن حديث جرير بن عبد الله في الرؤية ما هو قال‏:‏ صحيح قال‏:‏ فهل عندك فيه شيء قال‏:‏ يعفيني القاضي من هذا ‏.‏

فقال‏:‏ يا أبا الحسن هو حاجة الدهر ثم أمر له بثياب وطيب ومركب بسرجه ولجامه ولم يزل به حتى قال له‏:‏ في هذا الإسناد من لا يعتمد عليه ولا على ما يرويه وهو قيس بن أبي حازم إنما كان أعرابيًا بوالًا على قدميه ‏.‏

فقام ابن أبي دؤاد إلى ابن المديني فاعتنقه فلما كان من الغد وحضروا قال ابن أبي دؤاد‏:‏ يا أمير المؤمنين هذا يحتج في الرؤية بحديث جرير وإنما رواه عنه قيس بن أبي حازم وهو أعرابي بوال على عقبيه ‏.‏

قال أحمد بعد ذلك‏:‏ فعلمت أنه من عمل ابن المديني ‏.‏

قال المصنف‏:‏ وهذا إن صح عن علي بن المديني فإنه إقدام عظيم على الشرع فإن قيسًا روى عن تسعة من العشرة فإنه لم يرو عن عبد الرحمن وهو من العلماء الثقات الذين لن يطعن فيهم خرج عنه البخاري ومسلم في الصحيحين ‏.‏

وكذلك روى لهم ابن المديني في حديث عمر ‏"‏ وكلوه إلى خالقه ‏"‏ وكان قد أخطأ في هذا الحديث الوليد بن مسلم وإنما هو ‏"‏ وكلوه إلى عالمه ‏"‏ فقال أحمد بن حنبل‏:‏ علي يعلم أن الوليد أخطأ فلم روى لهم الخطأ حتى يحتجون به‏!‏ وكان علي إذا جاء حديث عن أحمد بن حنبل يقول‏:‏ اضرب عن هذا ليرضى ابن أبي دؤاد وكان قد سمع من أحمد ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا البرقاني قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد الآدمي قال‏:‏ حدثنا محمد بن علي الإيادي قال‏:‏ حدثنا زكريا بن يحيى الساجي قال‏:‏ قدم علي بن المديني البصرة فصار إليه بندار فجعل يقول‏:‏ قال أبو عبد الله فقال له بندار - على رؤوس الملأ - من أبو عبد الله أحمد بن حنبل قال‏:‏ لا أبو عبد الله أحمد بن أبي دؤاد ‏.‏

قال بندار‏:‏ عند الله احتسب خطئي شبه علي هذا وغضب وقام ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا علي بن أحمد الرزاز قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي قال‏:‏ كان عند إبراهيم الحربي قمطر من حديث علي بن المديني وما كان يحدث به فقيل له‏:‏ لم لا تحدث عنه قال‏:‏ لقيته يومًا وبيده نعله وثيابه في فمه فقلت‏:‏ إلى أين قال‏:‏ ألحق الصلاة خلف أبي عبد الله فظننت أنه يعني أحمد بن حنبل فقلت‏:‏ من أبو عبد الله قال‏:‏ أبو عبد الله بن أبي دؤاد فقلت‏:‏ والله لا حدثت عنك بحرف ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن علي الصيمري وأحمد بن علي التوزي قالا‏:‏ حدثنا محمد بن عمران بن موسى قال‏:‏ حدثنا أبو بكر الجرجاني قال‏:‏ حدثنا أبو العيناء قال‏:‏ دخل علي بن المديني علي أحمد بن أبي دؤاد بعد أن جرى من محنة أحمد بن حنبل ما جرى فناوله رقعة وقال‏:‏ هذه طرحت في داري فقرأها فإذا فيها‏:‏ يا ابن المديني الذي شرعت له دنيا فجاد بدينه لينالها ماذا دعاك إلى اعتقاد مقالة قد كان عندك كافر من قالها أمر بدا لك رشده فقبلته أم زهرة الدنيا أردت نوالها فلقد عهدتك لا أبا لك مرة صعب المقالة للتي تدعى لها إن الحريب لمن يصاب بدينه لا من يرزئ ناقة وفصالها فقال له أحمد‏:‏ قد هجا خيار الناس وقد قمت وقمنا من حق الله تعالى بما يصغر له قدر الدنيا عند كثير ثوابه ثم دعا له بخمسة آلاف درهم وقال‏:‏ اصرف هذه في نفقاتك ‏.‏

قال المصنف‏:‏ وقد روى جماعة عن علي بن المديني أنه قال‏:‏ إنما أجبت تقية وخفت السيف وقد حبست في بيت مظلم ثمانية أشهر وفي رجلي قيد فيه ثمانية أمنان حتى خفت على بصري‏.‏

توفي ابن المديني بسامراء في ذي القعدة من هذه السنة وقيل‏:‏ في سنة خمس وثلاثين ولا يصح

يحيى بن أيوب أبو زكريا العابد المعروف بالمقابري ‏.‏

ولد سنة سبعة وخمسين ومائة سمع شريكًا وإسماعيل بن جعفر وابن علية وغيرهم ‏.‏

روى عنه‏:‏ أحمد بن حنبل ومسلم بن الحجاج والبغوي وكان ثقة ورعًا من خيار عباد الله ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن أبي طالب قال‏:‏ حدثنا عمر بن أحمد الواعظ قال‏:‏ حدثنا محمد بن مخلد قال‏:‏ حدثنا العباس بن محمد بن عبد الرحمن الأشهلي قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ مررت بالمقابر فسمعت همهمة فاتبع الأثر فإذا يحيى بن أيوب في حفرة من تلك الحفر وإذا هو يدعو يبكي ويقول‏:‏ يا قرة عين المطيعين‏!‏ ويا قرة عين العاصين‏!‏ ولم لا تكون قرة عين المطيعين وأنت مننت عليهم بالطاعة ولم لا تكون قرة عين العاصين وأنت سترت عليهم الذنوب ‏.‏

قال‏:‏ ويعاود البكاء قال‏:‏ فغلبني البكاء ففطن بي فقال لي‏:‏ تعال لعل الله تعالى إنما يبعث بك الخير ‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ قتل إيتاخ ‏.‏

وقد ذكرنا أنه استأذن في الحج فأذن له ولما رجع من الحج إلى العراق وجه إليه المتوكل سعيد بن صالح الحاجب بكسوة وألطاف وأمره أن يتلقاه ببعض الطريق وقد تقدم المتوكل إلى عامله على الشرطة ببغداد إسحاق بن إبراهيم بأمره فيه ‏.‏

فلما خرج إسحاق وقرب إيتاخ من بغداد أراد أن يأخذ طريق الفرات إلى الأنبار ثم يخرج إلى سامراء فكتب إليه إسحاق‏:‏ إن أمير المؤمنين قد أمر أن تدخل بغداد وأن يتلقاك بنو هاشم ووجوه الناس وأن تعقد لهم في دار خزيمة بن خازم فتأمر لهم بجوائز ‏.‏

وشحن إسحاق الجسر بالجند والشاكرية وخرج في خاصته فاستقبله فلما نظر إليه أهوى إسحاق لينزل فحلف عليه إيتاخ أن لا يفعل ‏.‏

وكان إيتاخ في ثلاثمائة من أصحابه وغلمانه فسارا جميعًا حتى إذا صار عند الجسر تقدمه إسحاق فعبر حتى وقف على باب خزيمة بن خازم وقال لإيتاخ يدخل ‏.‏

وكان الموكلون بالجسر كلما مر بهم غلام من غلمان إيتاخ قدموه حتى بقي في خاصة غلمانه فدخل وقد فرشت له دار خزيمة وتأخر إسحاق وأمر أن لا يدخل الدار من غلمانه إلا ثلاثة أو أربعة وأخذت عليه الأبواب وأمر بحراسته من ناحية الشط وقطعت كل درجة في قصر خزيمة فحين دخل أغلق الباب خلفه فنظر فدخل فإذا ليس معه إلا ثلاثة غلمان فقال‏:‏ قد فعلوها ‏.‏

فمكث يومين أو ثلاثة ثم ركب إسحاق حراقة وأعد لإيتاخ أخرى ثم أرسل إليه أن يصير إلى الحراقة وأمر بأخذ سيفه وصاعدا إلى دار إسحاق فأدخل ناحية منها ثم قيد فصير في عنقه ثمانين رطلًا فمات ليلة الأربعاء لخمس خلون من جمادى الآخر وأشهد إسحاق على موته أبا الحسن محمد بن ثابت صاحب البريد ببغداد والقضاة وأراهم إياه لا ضرب به ولا أثر فقيل إن هلاكه كان بالعطش وحبس ابناه معه فبقيا إلى أن ولي المنتصر فأخرجهما ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ قدم بغا بابن البعيث فأمر المتوكل بقتله ثم عفا عنه ‏.‏

وفيها‏:‏ أمر المتوكل بأخذ أهل الذمة بلبس الطيالس العسلية والزنانير وركوب السروج بركب الخشب وأن يلبسوا العسلي نساءهم وأمر بهدم بيعهم المحدثة ونهى أن يستعان بهم في الدواوين وأعمال السلطان التي يجري أحكامهم فيها على المسلمين ونهى أن يتعلم أولادهم في كتاتيب المسلمين ولا يعلمهم مسلم ونهى أن يظهروا في شعانينهم صلبانًا وأن يشعلوا في طريق وكتب إلى عماله أن تأخذهم بذلك في شوال ‏.‏

وفي هذا الشهر‏:‏ احترق سجن باب الشام واحترق فيه مائة وثلاثون رجلًا وذلك عند رواح الناس إلى الجمعة ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ ظهر رجل بسامراء يقال له‏:‏ محمود بن الفرج فزعم أنه ذو القرنين ومعه سبعة عشر رجلًا من عند خشبة بابك وخرج من أصحابه بباب العامة رجلان وببغداد في مسجد مدينتها آخران وزعم أنه نبي فأتي به وبأصحابه المتوكل فأمر بضربه بالسياط فضرب ضربًا شديدًا وحبس أصحابه وكانوا قدموا من نيسابور ومعهم شيء يقرؤونه ومعهم عيالاتهم وفيهم شيخ يشهد له بالنبوة ويزعم أنه يوحى إليه وأن جبريل يأتيه بالوحي فضرب محمود مائة سوط فلم ينكر نبوته حين ضرب وضرب الشيخ الذي كان يشهد له بالنبوة أربعين سوطًا فأنكر نبوته حين ضرب ‏.‏

وحمل محمود إلى باب العامة فأكذب نفسه وقال الشيخ‏:‏ قد اختدعني هذا وأمر أصحابه أن يصفعوه فصفعه كل واحد عشر صفعات وأخذ له مصحف فيه كلام قد جمعه ذكر أنه قرآنه وأن جبريل كان يأتيه به ثم مات يوم الأربعاء لثلاث خلون من ذي الحجة ودفن في الجزيرة ‏.‏

وقام رجلان ببغداد في ذي القعدة والإمام في الصلاة فصاحا وأفسدا على الناس صلاتهم حتى قرأ الإمام في الركعة الثانية‏:‏ ‏{‏قل هو الله أحد‏}‏ وذكرا أنهما نبيان وكان هذا في مسجد غربي بغداد وقام آخران بسامراء في هذا اليوم ففعلا ذلك ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ عقد المتوكل البيعة لبنيه الثلاثة‏:‏ لمحمد المنتصر ولأبي عبد الله الزبير وقيل‏:‏ اسمه محمد ولقبه‏:‏ المعز بالله ولإبراهيم وسماه‏:‏ المؤيد بالله وذلك يوم السبت لثلاث بقين من ذي الحجة وقيل‏:‏ لليلتين ‏.‏

وعقد لكل منهم لواءين فضم إلى المنتصر‏:‏ إفريقية والمغرب كله وقنسرين والعواصم والثغور وديار مضر وديار ربيعة والموصل وهيت وعانة وتكريت وكور دجلة وطاسيج السواد والحرمين واليمن وعك وحضرموت واليمامة والبحرين والسند ومكران وقندابيل وكور الأهواز والمستغلات بسامراء في مواضع كثيرة ‏.‏

وضم إلى المعتز‏:‏ كور خراسان وما يضاف إليها وطبرستان والري وكور فارس وأرمينية وأذربيجان ودور الضرب وأمر بضرب اسمه على الدراهم ‏.‏

وضم إلى ابنه المؤيد‏:‏ جند دمشق وجند حمص وجند الأردن وجند فلسطين ‏.‏

وكتب بذلك كتابًا على نفسه بولاية العهد لهم وما سلم إليهم من الأعمال ‏.‏

وفي ذي الحجة من هذه السنة‏:‏ تغير ماء دجلة إلى الصفرة فبقي ثلاثة أيام ففزع الناس لذلك ثم صار في لون المورد حكاه أبو جعفر الطبري ‏.‏

وفيها‏:‏ أتى المتوكل بيحيى بن محمد بن يحيى بن زيد بن علي بن الحسين وكان قد جمع قومًا فحبس وضربه عمر بن فرج ثمان عشرة مقرعة وحبس ببغداد وحج بالناس في هذه السنة محمد بن داود ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إسحاق بن إبراهيم المصعبي كان يتولى الشرطة من أيام المأمون إلى أيام المتوكل فتوفي في هذه السنة وسنه ثمان وخمسون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يومًا ‏.‏

وبلغنا أنه دخل يومًا على المتوكل وعنده الفتح بن خاقان وهما ينظران في أخلاط الكيمياء ويتراجعان القول فيه فلم يخض معهما في ذلك فقال له المتوكل‏:‏ يا أبا إسحاق ما لك لا تتكلم معنا في هذا الباب فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين الكيمياء شيء لم يتعرض إليه الملوك قبلك ولا نظر فيه آباؤك ولكن أدلك على كيمياء هو الحق الصحيح قال‏:‏ ما هو قال‏:‏ تسلفني خمسين ألف دينار من بيت المال أنفقها على مصالح السواد ثم تنظر ما يرتفع لك من الزيادة في العمارة قال‏:‏ فأمر أن يحمل له من بيت المال خمسون ألف دينار فحملت فانصرف إسحاق إلى مدينة السلام وكتب في إشخاص وجوه أهل السواد ‏.‏

فحضروا فقلدهم النفقة على كري الأنهار وحلف إن ضاع من المال درهم قبض الذي يجري التضييع في ناحيته ثم أحلفهم على استعمال العدل وزاد في الحماية وفي المعونة وأنفق على المصالح من الجملة تسعة عشر ألف دينار فلما كان آخر السنة عمل الحساب فحصل من السواد ثلاثمائة ألف كر وأربعة آلاف كر واثنا عشر ألف ألف درهم فنظروا وإذا به قد رد كل دينار اثنين وثلاثين دينارًا فحمل ذلك ورد باقي الخمسين ألف وكتب بذلك إلى المتوكل وقال‏:‏ هذا الكيمياء الذي يجب على الخلفاء النظر فيه ‏.‏

إسحاق بن إبراهيم بن ميمون أبو محمد التميمي المعروف ولده بالموصلي ‏.‏

قيل إنه ولد سنة خمسين ومائة وكتب الحديث عن سفيان بن عيينة وهشيم وأبي معاوية الضرير وغيرهم ‏.‏

وأخذ الأدب عن الأصمعي وأبي عبيدة وبرع في علم الغناء فغلب عليه ونسب إليه وكان مليح الحاضرة حلو النادرة جيد الشعر مذكورًا بالسخاء معظمًا عند الخلفاء ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرني أحمد بن محمد بن يعقوب الكاتب قال‏:‏ حدثني جدي محمد بن عبيد الله بن قفرجل قال‏:‏ حدثنا محمد بن يحيى قال‏:‏ حدثنا أبو العيناء قال‏:‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال‏:‏ جئت أبا معاوية الضرير ومعي مائة حديث أريد أن أقرأها عليه فوجدت في دهليزه رجلًا ضريرًا فقال لي‏:‏ إنه قد جعل الإذن لي عليه اليوم إلي لينفعني وأنت رجل جليل فقلت له‏:‏ معي مائة حديث وأنا أهب لك عنها مائة درهم ‏.‏

فقال‏:‏ قد رضيت ودخل فاستأذن لي فدخلت وقرأت المائة فقال لي أبو معاوية‏:‏ الذي ضمنته لهذا يأخذه من أذناب الناس وأنت من رؤسائهم وهو ضعيف معتل وأنا أحب منفعته ‏.‏

قلت له‏:‏ قد جعلتها مائة دينار ‏.‏

فقال‏:‏ أحسن الله جزاءك فدفعتها إليه فأغنيته ‏.‏

توفي إسحاق ببغداد في هذه السنة وكان يسأل الله تعالى أن لا يبتليه بالقولنج لما رأى من صعوبته على أبيه لأن أباه مات به فأري في منامه قد أجيبت دعوتك ولست تموت بالقولنج بل بضده فأخذه ذرب في رمضان هذه السنة فتوفي إيتاخ الأمير وقد سبق ذكر هلاكه حدث عن حماد بن زيد روى عن البغوي قال يحيى‏:‏ صدوق ثقة حافظ توفي في هذه السنة سريج بن يونس بن إبراهيم أبو الحارث المروزي حدث عن سفيان بن عيينة وهشيم وابن علية وغيرهم

روى عنه‏:‏ مسلم بن الحجاج والبغوي وأبو زرعة وغيرهم ‏.‏

وكان ثقة صالحًا له كرامات وكان قد جعل على نفسه أن لا يشبع ولا يغضب ولا يسأل أحدًا حاجة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الهيتي قال‏:‏ أخبرنا أبو سعيد الحسين بن عبد الله بن روح قال‏:‏ حدثني هارون بن رضا قال‏:‏ سمعت أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الجعد يقول‏:‏ حدثني بقال سريج بن يونس قال‏:‏ جاءني سريج ليلًا وقد ولد له ولد فأعطاني ثلاثة دراهم فقال‏:‏ أعطني بدرهم عسلًا وبدرهم سمنًا وبدرهم سويقًا ولم يكن عندي وكنت قد عزلت الظروف لأبكر فأشتري فقال لي‏:‏ أنظر قليلًا إيش ما كان أمسح البراني فوجدت البراني والجرار ملأى فأعطيته شيئًا كثيرًا ‏.‏

فقال لي‏:‏ ما هذا أليس قلت ما عندي شيء فقلت‏:‏ خذ واسكت ‏.‏

فقال‏:‏ ما آخذ أو تصدقني فخبرته بالقصة فقال‏:‏ لا تحدث به أحدًا ما دمت حيًا ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال‏:‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم الختلي ‏.‏

قال‏:‏ سمعت سريج بن يونس يقول‏:‏ رأيت فيما يرى النائم أن الناس وقوف بين يدي الله تعالى وأنا في أول صف ونحن ننظر إلى رب العزة تعالى فقال‏:‏ أي شيء تريدون أن أصنع بكم فسكت الناس فقلت أنا في نفسي‏:‏ ويحهم قد أعطاهم كل ذا من نفسه وهم سكوت ‏.‏

فقنعت رأسي بملحفتي وأبرزت عينًا وجعلت أمشي وجزت الصف الأول بخطى فقال لي‏:‏ أي شيء تريد ‏.‏

فقلت‏:‏ رحمة سر بسر إن أردت أن تعذبنا فلم خلقتنا قال‏:‏ قد خلقتكم ولا أعذبكم أبدًا ثم غاب في السماء ‏.‏

وروى محمد بن أحمد بن سفيان الترمذي قال‏:‏ سمعت سريج بن يونس يقول‏:‏ مكثت أيامًا لم آكل أنا ولا صبياني شيئًا وكنت يومًا قاعدًا في الدهليز فخرج الصبيان يشكون إلي فمر جار لي فسمع كلامهم فرمي إلي كيس ‏.‏

فقلت‏:‏ يا فلان متى جرت عادتك بذا خذ كيسك عافاك الله‏!‏‏!‏ فقال الصبيان‏:‏ هو ذا كبة غزل فبعها حتى تأكل بها خبزًا ‏.‏

فخرجت فبعتها واشتريت لهم خبزًا وعلمت أنه لا يكفيهم فلم آكل معهم ثم وضعت رأسي فنمت فجاء ملك فقال لي‏:‏ قم فكأني قد جاءني بصحفة من ذهب فيها خبز لم أر مثله في الدنيا وشهد وزبد فقال توفي سريج في ربيع الأول من هذه السنة شجاع بن مخلد أبو الفضل البغوي ‏.‏

ولد سنة خمسين ومائة وحدث عن هشيم وابن علية وابن عيينة ‏.‏

وروى عنه أبو القاسم البغوي وغيره وكان صدوقًا توفي في هذه السنة ودفن في مقابر باب التين ‏.‏

عبد الله محمد بن إبراهيم أبو بكر العبسي المعروف بابن أبي شيبة ولد سنة تسع وخمسين ومائة وسمع شريك بن عبد الله وسفيان بن عيينة وهشيمًا وعبد الله بن المبارك وغيرهم ‏.‏

روى عنه‏:‏ أحمد بن حنبل وابنه عبد الله وعباس الدوري والبغوي وغيرهم وكان حافظًا متقنًا صدوقًا مكثرًا صنف المسند والتفسير وغير ذلك ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أحمد بن علي الخطيب أخبرني أبو الحسن محمد بن عبد الواحد قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد الشيباني قال‏:‏ حدثنا الحسن بن محمد بن شعبة قال‏:‏ حدثني محمد بن إبراهيم مربع قال‏:‏ قدم علينا أبو بكر بن أبي شيبة فانقلبت به بغداد ونصب له المنبر في مسجد الرصافة فجلس عليه فقال من حفظه‏:‏ حدثنا شريك ثم قال‏:‏ هي بغداد وأخاف أن تزل قدم بعد ثبوتها يا أبا شيبة هات الكتاب ‏.‏

قال أحمد‏:‏ أبو شيبة ابنه واسمه إبراهيم ‏.‏

أخبرنا القزاز عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب أخبرنا أبو سعيد الماليني أخبرنا عبد الله بن عدي الحافظ قال‏:‏ حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أسامة الكلبي قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن أبي زياد عن أبي عبيد القاسم بن سلام قال‏:‏ انتهى الحديث إلى أربعة‏:‏ أبي بكر بن أبي شيبة وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني فأبو بكر أسردهم للحديث وأحمد أفقههم فيه ويحيى أجمعهم له وعلي بن المديني أعلمهم به ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الخطيب أخبرنا ابن رزق قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق بن وهب أخبرنا أبو غالب علي بن أحمد بن النضر قال‏:‏ قال علي بن المديني‏:‏ قدم علينا أبو بكر بن بي شيبة ويحيى وعبد الرحمن باقيين فأراد الخائب - يعني سليمان الشاذكوني - أن يذاكره فاجتمع الناس في المسجد الجامع عند الأسطوانة وأبو بكر وأخوه ومشكدانة وعبد الله بن البراء وغيرهم وكلهم سكوت إلا أبو بكر فإنه يهدر ‏.‏

قال ابن سعيد‏:‏ هي أسطوانة عبد الله بن مسعود وجلس إليها بعده علقمة وبعده إبراهيم وبعده منصور وبعده الثوري وبعده وكيع وبعده أبو بكر بن أبي شيبة وبعده مطين وبعده ابن سعيد ‏.‏

توفي أبو بكر في محرم هذه السنة ‏.‏

عبيد الله بن عمر بن ميسرة أبو سعيد الجشمي مولاهم المعروف بالقواريري بصري سكن بغداد وحدث بها عن حماد بن زيد وأبي عوانة وسفيان وهشيم وغيرهم ‏.‏

روى عنه‏:‏ أحمد ويحيى وأبو داود السجستاني وأبو زرعة وأبو حاتم وإبراهيم الحربي والبغوي وكان ثقة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي‏.‏

وأخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا نصر بن أحمد قالا‏:‏ أخبرنا محمد بن رزق قال‏:‏ سمعت أبا القاسم علي بن الحسن بن زكريا القطيعي يقول‏:‏ سمعت عبد الله بن محمد بن عبد العزيز يقول‏:‏ سمعت عبيد الله بن عمر القواريري يقول‏:‏ لم تكن تكاد تفوتني صلاة العتمة في جماعة فنزل بي ضيف فشغلت به فخرجت أطلب الصلاة في قبائل البصرة فإذا الناس قد صلوا ‏.‏

فقلت في نفسي‏:‏ قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ صلاة الجمع تفضل على صلاة الفذ إحدى وعشرين درجة ‏"‏ وروي خمسًا وعشرين وروي سبعًا وعشرين فانصرفت إلى منزلي فصليت العتمة سبعًا وعشرين مرة ثم رقدت فرأيتني مع قوم راكبي أفراس وأنا راكب فرسًا كأفراسهم ونحن نتجارى وأفراسهم تسبق فرسي فجعلت أضربه لألحقهم فالتفت إلي أحدهم فقال‏:‏ لا تجهد نفسك فلست تلاحقنا قلت‏:‏ ولم ذاك قال‏:‏ لأنا صلينا العتمة في جماعة‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو الغنائم محمد بن الفراء البصري قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن الحسين بن جعفر العطار قال‏:‏ حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال‏:‏ حدثنا إسماعيل بن أبي اليمان الحارثي قال‏:‏ سمعت حفص بن عمرو الربالي يقول‏:‏ رأيت عبيد الله بن عمر القواريري في منامي بعد موته فقلت‏:‏ ما صنع الله بك قال‏:‏ غفر لي وعاتبني وقال‏:‏ يا عبيد الله أخذت من هؤلاء القوم قلت‏:‏ يا رب أنت أحوجتني إليهم ولو لم تحوجني لم آخذ قال‏:‏ إذا قدموا علينا كافأناهم عنك ثم قال لي‏:‏ أما ترضى أن أكتبك في أم الكتاب سعيدًا‏!‏ عبد الصمد بن يزيد أبو عبد الله الصائغ ويعرف بمردويه ‏.‏

سمع الفضيل بن عياض وسفيان بن عيينة ووكيعًا وكان ثقة من أهل السنة والورع وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة ‏.‏

محمد بن حاتم بن ميمون أبو عبد الله ويعرف بالسمين روى عن سفيان بن عيينة وابن مهدي ووكيع وغيرهم واختلفوا في تعديله ‏.‏

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قال‏:‏ أخبرنا محمد بن الحسين القطان قال‏:‏ أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال‏:‏ حدثنا سهل بن أحمد الواسطي حدثنا أبو حفص عمرو بن علي قال‏:‏ محمد بن حاتم ليس بشيء ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ قرأت على أبي بكر البرقاني عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال‏:‏ سمعت أحمد بن محمد الجعفي يقول‏:‏ سمعت يحيى بن معين يقول‏:‏ محمد بن حاتم كذاب ‏.‏

وأخبرنا البرقاني قال‏:‏ قال لنا الدارقطني‏:‏ محمد بن حاتم السمين بغدادي ثقة ‏.‏

وقال ابن قانع‏:‏ محمد بن حاتم صالح ‏.‏

محمد بن الهزيل بن عبد الله بن مكحول أبو الهذيل العلاف العبدي البصري مولى عبد القيس وكان شيخ المعتزلة ومصنف الكتب في مذاهبهم ‏.‏

ولد سنة خمس وثلاثين ومائة وكان يقول‏:‏ علم الله هو الله وقدرة الله هي الله ونعيم الجنة يفنى وأهل الجنة تنقطع حركاتهم فيها حتى لا ينطقون بكلمة وكان فاسقًا في باب الدين وقد روى أحاديث عن سليمان بن قرم وغياث بن إبراهيم وهما كذابان مثله ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرني الصيمري قال‏:‏ حدثنا محمد بن عمران المرزباني قال‏:‏ حدثني أبو الطيب إبراهيم بن محمد بن شهاب العطار قال‏:‏ روى أبو يعقوب الشحام قال‏:‏ قال لي أبو الهذيل‏:‏ أول ما تكلمت كان لي أقل من خمس عشرة سنة وكنت أختلف إلى عثمان الطويل صاحب واصل بن عطاء فبلغني أن رجلًا يهوديًا قدم البصرة وقد قطع عامة متكلميهم فقلت لعمي‏:‏ يا عم امض بي إلى هذا اليهودي أكلمه فقال لي‏:‏ يا بني هذا اليهودي قد غلب جماعة متكلمي أهل البصرة أفمن جدك أن تكلم من لا طاقة لك بكلامه ‏.‏

فقلت‏:‏ لا بد من أن تمضي بي إليه وما عليك مني غلبني أو غلبته فأخذ بيدي ودخلنا على اليهودي فوجدته يقرر الناس الذين يكلمونه بنبوة موسى ثم يجحد نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم فيقول‏:‏ نحن على ما اتفقنا عليه من صحة نبوة موسى إلى أن نتفق على نبوة غيره فنقر ‏.‏

قال‏:‏ فدخلت عليه فقلت له‏:‏ أسألك أو تسألني فقال لي‏:‏ يا بني أو ما ترى ما أفعله بمشايخك فقلت له‏:‏ دع عنك هذا واختر إما أن تسألني أو أسألك ‏.‏

فقال‏:‏ بل اسأل ‏.‏

أخبرني أليس موسى نبي من أنبياء الله تعالى قد صحت نبوته وثبت دليله تقر بهذا أو تجحده فتخالف صاحبك فقلت له‏:‏ إن الذي سألتني عنه من أمر موسى عندي على أمرين أحدهما‏:‏ أني أقر بنبوة موسى الذي أخبر بصحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمر باتباعه وبشر به وبنبوته فإن كان عن هذا تسألني فأنا مقر بنبوته وإن كان موسى الذي سألتني عنه لا يقر بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولم يأمرنا باتباعه ولا بشر به فلست أعرفه ولا أقر بنبوته بل هو عندي شيطان مخزى ‏.‏

فتحير لما ورد عليه ما قتله له وقال لي‏:‏ فما تقول في التوراة قلت‏:‏ أمر التوراة عندي أيضًا على وجهين إن كانت التوراة التي أنزلت على موسى النبي الذي أقر بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهي التوراة الحق وإن كانت أنزلت على الذي تدعيه فهي باطل غير حق وأنا غير فقال لي‏:‏ أحتاج أن أقول لك شيئًا بيني وبينك فظننت أنه يقول شيئًا من الخير فتقدمت إليه فسارني وقال‏:‏ أمك كذا وكذا وأم من علمك لا يكني ‏.‏

وقدر أني أثب به فيقول‏:‏ قد وثبوا بي وشغبوا علي فأقبلت على من كان في المجلس فقلت‏:‏ أليس قد عرفتم مسألته إياي وجوابي له فقالوا‏:‏ نعم ‏.‏

فقلت‏:‏ أليس عليه أن يرد جوابي قالوا‏:‏ نعم ‏.‏

قلت‏:‏ إنه لما سارني شتمني الشتم الذي يوجب الحد وشتم من علمني وإنما قدر أني أقوم أثب عليه فيدعي أنا واثبناه وشغبنا عليه وقد عرفتكم شأنه بعد انقطاعه ‏.‏

فأخذته الأيدي والأكف بالنعال فخرج هاربًا من البصرة وقد كان له بها دين كثير فتركه وخرج لما لحقه من الانقطاع ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرني علي بن أيوب القمي قال‏:‏ أخبرني محمد بن عمران الكاتب قال‏:‏ أخبرني محمد بن العباس قال‏:‏ حدثنا محمد بن يزيد النحوي عن الجاحظ قال‏:‏ لقي اللصوص قومًا فيهم أبو الهذيل فصاحوا وقالوا‏:‏ ذهبت ثيابنا ‏.‏

قال‏:‏ ولم كلوا الحجة إلي فوالله لا أخذوها أبدًا وظنوا أنهم خوارج يأخذون بمناظرة فقالوا‏:‏ إنهم لصوص يأخذون الثياب بلا حجة فقال‏:‏ ذهبت الثياب والله ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي الخطيب قال‏:‏ أخبرنا أبو منصور أحمد بن عيسى بن عبد العزيز قال‏:‏ أخبرنا محمد بن جعفر بن هارون التميمي قال‏:‏ حدثنا أبو الحسن الواقصي قال‏:‏ حدثنا أحمد بن يحيى المنجم قال‏:‏ أخبرني أبي قال‏:‏ لقي أبا الهذيل مسقف فقال له‏:‏ انزع ثيابك وأخذ بمجامع جيبه فقال أبو الهذيل‏:‏ استحالت المسألة ‏.‏

قال‏:‏ ولم قال‏:‏ تمسك موضع النزع وتقول‏:‏ انزع أبن لي أنزع القميص من ذيله أو من جيبه فقال له‏:‏ أنت أبو الهذيل قال‏:‏ نعم‏!‏ قال‏:‏ فانصرف راشدًا ‏.‏

توفي أبو الهذيل في سنة خمس وثلاثين ومائتين وقد تم له مائة سنة ‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وثلاثين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن علي بن يحيى الأرمني غزا الصائفة فلاقى صاحب الروم في ثلاثين ألفًا من الروم وكان هو في نحو ثلاثة آلاف فارس فهزم الرومي وقتل من الروم أكثر من عشرين ألفًا ثم مضى إلى عمورية فافتتحها وغنم ما فيها وأخرج منها أسارى من المسلمين وكانوا خلقًا كثيرًا وضرب كنائسها وفتح أيضًا حصنًا يقال له‏:‏ الفطس فأخرج منه عشرين ألف رأس من السبي وغنم غنيمة بلغت مائة ألف وعشرين ألف دينار ‏.‏

ومن الحوادث‏:‏ أن المتوكل أمر بهدم قبر الحسين بن علي عليهما السلام وهدم ما حوله من المنازل والدور وأن يبذر ويسقى موضع قبره وأن يمنع الناس من إتيانه فنادى صاحب الشرطة في الناحية‏:‏ من وجدناه عند قبره بعد ثالثة بعثنا به إلى المطبق فهرب وامتنعوا من المصير إليه وحرث ذلك الموضع وزرع ما حوله ‏.‏

وقيل‏:‏ كان ذلك في سنة ثمان وثلاثين ‏.‏

وفيها‏:‏ استكتب المتوكل عبيد الله بن يحيى بن خاقان ‏.‏

وفيها‏:‏ أخرج النصارى عن الدواوين ونهى أن يستعان بهم وعزلهم عن الولايات ونهى أن يستخدموا في شيء من أمور المسلمين ‏.‏

وفيها‏:‏ حج محمد المنتصر وأقام للناس الحج وحجت معه جدته شجاع أم المتوكل فشيعها إلى النجف ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إبراهيم بن المنذر بن عبد الله أبو إسحاق الأدمي القرشي الحراني المدني روى عنه‏:‏ البخاري وابن أبي خيثمة وثعلب وكان ثقة ‏.‏

وكان أحمد بن حنبل لا يكلمه لأجل كلام تكلم به في القرآن حين صدر من الحج ‏.‏

توفي في هذه السنة بالمدينة ‏.‏

إسماعيل بن إبراهيم بن بسام أبو إبراهيم الترجماني سمع إسماعيل بن عياش وبقية وهشيم بن بشير وغيرهم ‏.‏

سمع منه أحمد بن حنبل وقال‏:‏ ليس به بأس ‏.‏

توفي في محرم هذه السنة ‏.‏

إسماعيل بن إبراهيم بن معمر بن الحسن أبو معمر الهذلي ‏.‏

هروي الأصل أقام ببغداد وسمع إبراهيم بن سعد وإسماعيل بن عياش وهشيم بن بشير وابن المبارك وابن عيينة ‏.‏

روى عنه‏:‏ البخاري ومسلم والدوري والحربي وقال يحيى بن معين‏:‏ هو ثقة مأمون ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثني عبيد الله بن أبي الفتح قال‏:‏ حدثنا عمر بن إبراهيم المقرئ قال‏:‏ سمعت أحمد بن علي الديباجي يقول‏:‏ سمعت عبيد بن شريك يقول‏:‏ كان أبو معمر القطيعي من شدة إدلاله بالسنة يقول‏:‏ لو تكلمت بغلتي لقالت إنها سنية‏!‏ قال‏:‏ فأخذ في المحنة فأجاب فلما خرج قال‏:‏ كفرنا وخرجنا ‏.‏

توفي أبو معمر في جمادى الأولى من هذه السنة ‏.‏

جعفر بن حرب الهمداني ‏.‏

معتزلي بغدادي درس الكلام بالبصرة على أبي الهذيل العلاف وكان لجعفر اختصاص بالواثق وصنف كتبًا معروفة عند المتكلمين ‏.‏

توفي في هذه السنة ‏.‏

الحسن بن سهل بن عبد الله أبو أحمد ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي أبو بكر الخطيب قال‏:‏ هو أخو ذي الرياستين الفضل بن سهل ‏.‏

وكانا من أهل بيت الرياسة في المجوس فأسلما وأبوهما أيام الرشيد واتصلوا بالبرامكة وكان سهل مضمومًا ليحيى بن خالد وضم يحيى الحسن والفضل ابني سهل إلى ابنيه‏:‏ الفضل وجعفر يكونان معهما فضم جعفر الفضل بن سهل إلى المأمون وهو ولي عهد فغلب عليه ولم يزل معه إلى أن قتل الفضل بخراسان فكتب المأمون إلى الحسن بن سهل وهو ببغداد يعزيه بأخيه ويعلمه أنه قد استوزره فلم يكن أحد من بني هاشم ولا من سائر القواد يخالف للحسن بن سهل أمرًا ولا يخرج له عن طاعة إلى أن بايع المأمون لعلي بن موسى الرضا بالعهد فغضب بنو العباس وخلعوا المأمون وبايعوا إبراهيم بن المهدي فلما جاء المأمون إلى بغداد زاد في إكرام الحسن وتزوج بابنته بوران ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن همام الشيباني حدثنا أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان قال‏:‏ حدثني أبي عن أبيه قال‏:‏ حضرت الحسن بن سهل وقد جاءه رجل يستشفع به في حاجة فقضاها فأقبل الرجل يشكره فقال له الحسن‏:‏ علام تشكرنا ونحن نرى أن للجاه زكاة كما أن للمال زكاة ثم أنشأ الحسن يقول‏:‏ فرضت علي زكاة ما ملكت يدي وزكاة جاهي أن أعين وأشفعا فإذا ملكت فجد وإن لم تستطع فاجهد بوسعك كله أن تنفعا أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا الخطيب قال‏:‏ أخبرني الأزهري قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن عرفة قال‏:‏ حدثني بعض ولد الحسن بن سهل أنه رأى سقاء يمر في داره فقال له‏:‏ ما حالك فشكى إليه ضيقه وذكر أن له بنتًا يريد زفافها فأخذ ليوقع له بألف درهم فأخطأ فوقع له بألف ألف درهم فأتى بها السقاء وكيله فأنكر ذلك وتعجب أهله منه وهابوا أن يراجعوه فأتوا غسان بن عباد وكان من الكرماء فأخبروه فأتاه فقال له‏:‏ أيها الأمير إن الله لا يحب المسرفين فقال له الحسن‏:‏ ليس في الخير إسراف ثم ذكر له السقاء فقال‏:‏ والله لا رجعت عن شيء خطته يدي فصولح السقاء على جملة منها ودفعت إليه ‏.‏

توفي الحسن بن سهل يوم الخميس لخمس ليال خلون من ذي القعدة من هذه السنة وكان سبب وفاته أنه شرب من صبيحة هذا اليوم دواء فأفرط عمله فمات وقت الظهر وله سبعون سنة ‏.‏

الحسن بن عليل بن الحسين بن علي بن حبيش أبو علي العنزي حدث عن أبي نصر التمار ويحيى بن معين وهدبة وأبي خيثمة وكان صدوقًا صاحب أدب وأخبار واسم أبيه علي ولقبه‏:‏ عليل وهو الغالب عليه ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن الحسين النعالي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن نصر الذراع قال‏:‏ أنشدنا الحسن بن عليل وذكر أنها له‏:‏ كل المحبين قد ذموا السهاد وقد قالوا بأجمعهم طوبى لمن رقدا فقلت يا رب لا أبغي الرقاد ولا ألهوه بشيء سوى ذكري له أبدا إن نمت نام فؤادي عن تذكره وإن سهرت شكر قلبي الذي وجدا توفي الحسن في هذه السنة بسامراء ‏.‏

سكن بغداد وحدث بها عن‏:‏ الدراوردي وعبد الرزاق وأبي معاوية ‏.‏

روى عنه‏:‏ أبو حاتم الرازي وقال‏:‏ هو صدوق ‏.‏

توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ‏.‏

عبد الله بن محمد بن هانئ أبو عبد الرحمن النيسابوري سمع غندرًا ويحيى بن سعيد القطان وأخذ عن الأخفش وروى عنه‏:‏ ابن أبي الدنيا وكان ثقة ‏.‏

توفي في هذه السنة في جمادى الآخرة ‏.‏

عبد السلام بن صالح بن سليمان بن أيوب أبو الصلت الهروي رحل في الحديث إلى الكوفة والبصرة والخجاز واليمن ‏.‏

وسمع حماد بن زيد ومالك بن أنس وأبا معاوية وسفيان بن عيينة وقدم بغداد فحدث بها عن من سمع فروى عنه عباس الدوري وكان لما قدم مرو يريد التوجه إلى الغزو أدخل على المأمون فلما سمع كلامه جعله من الخاصة فلم يزل مكرمًا عنده إلى أن أراد أن يظهر كلام جهم ويقول‏:‏ القرآن مخلوق وجمع بينه وبين بشر المريسي وكان عبد السلام يرد على أهل الأهواء وكلم بشر المريسي غير مرة بين يدي المأمون فكان الظفر له وكان ينسب إلى التشيع إلا أنه كان يقدم أبا بكر وعمر ويترحم على عثمان وقد أنكروا عليه أحاديث وضعفوه ‏.‏

منها‏:‏ حديث الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أنا مدينة العلم وعلي بابها‏"‏‏.‏

وسئل عنه يحيى بن معين فقال‏:‏ ما سمعت به قط وما بلغني إلا عنه واتهموه بوضع حديث جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ الإيمان إقرار بالقول وعمل بالجوارح‏"‏‏.‏

توفي في شوال هذه السنة ‏.‏

محمد بن إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن ويعرف بالمسيبي كان أبوه أحد القراء بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ‏.‏

قرأ على نافع فأما محمد فإنه سكن بغداد وحدث بها عن أبيه وغيره وهو ثقة ‏.‏

وروى عنه‏:‏ مسلم بن الحجاج وغيره وكان مصعب الزبيري يقول‏:‏ لا أعلم في قريش كلها أفضل من المسيبي ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الحافظ قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن المظفر قال‏:‏ قال البغوي‏:‏ مات المسيبي ليومين بقيا من ربيع الأول سنة ست وثلاثين ومائتين محمد بن إسحاق السلمي غريب مجهول حدث عن ابن المبارك حديثًا منكرًا ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا علي بن أبي علي المعدل قال‏:‏ حدثنا عبيد الله بن محمد الحوشي قال‏:‏ حدثنا محمد بن يعقوب بن إسماعيل السكري قال‏:‏ حدثنا سهل بن بحر قال‏:‏ حدثنا محمد بن إسحاق السلمي قال‏:‏ حدثنا ابن المبارك عن سفيان الثوري عن أبي الزناد عن أبي حازم عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ خيار أمتي علماؤها وخيار علمائها رحماؤها ألا وإن الله يغفر للجاهل أربعين ذنبًا قبل أن يغفر للعالم ذنبًا واحدًا ألا وإن العالم الرحيم يجيء يوم القيامة وأن نوره قد أضاء يمشي فيه ما بين المشرق والمغرب كما يسري الكوكب الدري ‏"‏ ‏.‏

محمد بن إسحاق بن يزيد أبو عبد الله يعرف بالصيني حدث عن عبد الله بن داود الحربي وروح بن عبادة وغيرهما ‏.‏

روى عنه‏:‏ أبو بكر بن أبي الدنيا وغيره ‏.‏

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم‏:‏ كتبت عنه بمكة وسألت عنه أبا عون فقال‏:‏ هو كذاب فتركت حديثه ‏.‏

محمد بن أحمد بن أبي خلف مولى بني سليم واسم أبي خلف‏:‏ محمد يكنى أبا عبد الله ‏.‏

سمع سفيان بن عيينة وغيره قال عبد الرحمن بن أبي حاتم‏:‏ سألت عنه أبي فقال‏:‏ ثقة صدوق‏.‏

محمد بن بشر بن مروان بن عطاف أبو جعفر الكندي الواعظ يعرف بالدعاء حدث عن إسماعيل بن علية وسفيان بن عيينة وابن المبارك وغيرهم روى عنه ابن أبي الدنيا وغيره ‏.‏

واختلفوا فيه ‏.‏

فأخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا البرقاني قال‏:‏ أخبرنا إبراهيم بن محمد المزكي قال‏:‏ أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد قال‏:‏ محمد بن بشر صدوق ‏.‏

وأخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا محمد بن العباس الخراز الكوكبي قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد قال‏:‏ سمعت يحيى بن معين أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن إسماعيل بن عمر البجلي قال‏:‏ قال لنا أبو الحسن الدارقطني‏:‏ محمد بن بشر الكندي الدعاء ليس بالقوي في حديثه ‏.‏

توفي في بغداد يوم الثلاثاء لثلاث مضين من جمادى الآخرة من هذه السنة ‏.‏

منصور ابن أمير المؤمنين المهدي قال المصنف‏:‏ قد ذكرنا أنه عسكر بكلواذى سنة إحدى ومائتين وسمي المرتضى ودعي له على المنابر وسلم عليه بالخلافة فأبى ذلك وقال‏:‏ أنا خليفة أمير المؤمنين المأمون حتى يقدم ‏.‏

وقد تولى أعمالًا كثيرة منها مصر والبصرة وكان يحب العلم ويقرب أهل الحديث ويبر أهله ويبعث إلى يزيد بن هارون أموالًا كثيرة يفرقها على المحدثين ‏.‏

وتوفي في هذه السنة ‏.‏

مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير أبو عبد الله الزبيري عم الزبير بن بكار ‏.‏

حدث عن مالك بن أنس والدراوردي وإبراهيم بن سعد وغيرهم كتب عنه يحيى بن معين وأبو خيثمة وإبراهيم الحربي والبغوي وكان ثقة وكان عالمًا بالنسب نصر بن زياد بن نهيك أبو محمد النيسابوري القاضي سمع ابن المبارك وجرير بن عبد الحميد وخارجة بن مصعب وغيرهم ‏.‏

وتفقه على محمد بن الحسن وأخذ الأدب عن النضر بن شميل وولي قضاء نيسابور بضع عشرة سنة ولم يزل محمودًا عند السلطان والرعية وكانت كتب المأمون إليه متواترة ‏.‏

أخبرنا زاهر بن طاهر أخبرنا أبو عثمان الصابوني وأبو بكر البيهقي قالا‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم قال‏:‏ سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول‏:‏ سمعت أبا العباس أحمد بن محمد البالوي يقول‏:‏ كان نصر بن زياد القاضي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقول‏:‏ لولا هذا لم أتلبس لهم بعمل لكني إذا لم ألي القضاء لم أقدر عليه وكان يحيي الليل ويصوم الاثنين والخميس والجمعة ولا يرضة من العمال حتى يؤدوا حقوق الناس إليهم فدخل عليه أحمد بن حرب يومًا فوعظه وأشار في موعظته بأن يستعفي مما هو فيه فقال‏:‏ يا أبا عبد الله ما يحملني على ما أنا فيه إلا نصرة الملهوفين والقدرة على الانتصار للمظلومين من الظالمين ولعل الله عز وجل قد عرف لي ذلك ‏.‏

قال الحاكم‏:‏ وحدثني محمد بن حامد قال‏:‏ حدثنا الحسن بن منصور قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الوهاب قال‏:‏ قال لي نصر بن زياد القاضي‏:‏ يا أبا أحمد أعلمت أن أبا بكر الصديق سم على العدل وأن عمر بن الخطاب قتل على العدل وأن عثمان بن عفان قتل على العدل وأن علي بن أبي طالب قتل على العدل وأن عمر بن عبد العزيز سم على العدل يأبى الناس أن يحتملوا العدل ‏.‏

قال الحاكم‏:‏ وسمعت أبا حامد أحمد بن محمد المقرئ الواعظ يقول‏:‏ سمعت غير واحد من مشايخنا يذكر أن رجلًا ورد هراة فرفع قصة إلى عبد الله بن طاهر فلما قدم بين يديه قال‏:‏ من خصمك قال‏:‏ الأمير أيده الله قال‏:‏ ما الذي تدعي علي قال‏:‏ ضيعة لي بهراة غصبنيها واله الأمير وهي اليوم في يده ‏.‏

قال‏:‏ ألك بينة قال‏:‏ إنما تقام البينة بعد الحكومة إلى القاضي فإن رأى الأمير أن يحملني وإياه على حكم الإسلام ‏.‏

قال‏:‏ فدعى عبد الله بن طاهر بالقاضي نصر بن زياد ثم قال للرجل‏:‏ ادعي ‏.‏

قال‏:‏ فادعى الرجل مرة بعد مرة فلم يلتفت إليه نصر بن زياد ولم يسمع دعواه فعلم الأمير أنه قد امتنع من سماع الدعوى قال‏:‏ حتى يجلس الخصم والمدعي فقام عبد الله بن طاهر من مجلسه حتى بلغ مع خصمه بين يديه فقال نصر للمدعي‏:‏ ادعي فقال‏:‏ أيد الله القاضي إن ضيعة لي بهراة وذكرها بحدودها وحقوقها هي لي في يد الأمير فقال له الأمير عبد الله بن طاهر‏:‏ أيها الرجل قد غيرت الدعوى إنما ادعيت أولًا على أبي فقال له الرجل‏:‏ لم أشته أن أفضح والد الأمير في مجلس الحكم وأقول والد الأمير غصبني عليها وأنها اليوم في يد الأمير فسأل نصر بن زياد عبد الله بن طاهر عن دعواه فأنكر فالتفت إلى الرجل وقال‏:‏ ألك بينة قال‏:‏ لا ‏.‏

قال‏:‏ فما الذي تريده قال‏:‏ يمين الأمير بالله الذي لا إله إلا هو ‏.‏

قال‏:‏ فقام الأمير إلى مكانه وأمر الكاتب ليكتب إلى هراة برد الضيعة عليه ‏.‏

توفي نصر الدين بن زياد لسبع بقين من صفر هذه السنة وهو ابن ستة وتسعين سنة ‏.‏

أبو عبيدة بن الفضيل بن عياض كوفي سكن مكة وقدم إلى مصر في وكالة توكل بها فحدث بمصر وكتب عنه ورجع إلى مكة فتوفي بها في صفر هذه السنة ‏.‏